آخر الأخبار

جاري تجهيز الرابط...

يتم تجهيز الرابط انزل للأسفل قليلا


ثورة الذكاء الاصطناعي والتشريعات التقليدية

في السنوات الأخيرة، شهد العالم تطورًا غير مسبوق في تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (Machine Learning)، حتى أصبح هذا المجال لا يقتصر على المراكز البحثية أو المختبرات التقنية، بل تغلغل في شتى القطاعات، من الطب إلى التعليم، ومن الصناعة إلى الإعلام، وأخيرًا — وربما أهمها — إلى عالم القانون والعدالة.

السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة للعدالة؟ أم أنه قد يصبح تهديدًا لحقوق الإنسان؟ في هذا المقال، نحاول الغوص بعمق في العلاقة المتشابكة بين الذكاء الاصطناعي والقانون، مع التركيز على التحديات، والفرص، والمسؤوليات القانونية والأخلاقية.

الذكاء الاصطناعي في خدمة العدالة: تطبيقات عملية

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد فكرة مستقبلية، بل أصبح واقعًا ملموسًا في المؤسسات القضائية. إليك بعض التطبيقات الواقعية:

أ. التنبؤ بالسلوك الإجرامي:

تستخدم بعض المحاكم في الولايات المتحدة خوارزميات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقييم "درجة الخطورة" التي يشكّلها المتهم، وهي أداة تساعد القضاة في اتخاذ قرارات متعلقة بالإفراج المؤقت أو الكفالة.

ب. تحليل الأدلة الإلكترونية:

الكم الهائل من البيانات الرقمية يجعل من الصعب على المحققين تصفحها يدويًا. تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل الرسائل النصية، رسائل البريد الإلكتروني، وسجلات الكاميرات لتحديد الأدلة الرئيسية.

ج. الأتمتة القانونية:

تقدم بعض الشركات الآن "محامين رقميين" يمكنهم إعداد عقود، مراجعة شروط، أو حتى تقديم استشارات قانونية مبدئية دون تدخل بشري، مثل روبوت الدردشة الشهير DoNotPay.

التحديات القانونية والأخلاقية في استخدام الذكاء الاصطناعي

رغم الفوائد الكبيرة، يواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في القانون تحديات لا يُستهان بها:

أ. التحيّز الخوارزمي:

إذا كانت البيانات التي يتعلم منها الذكاء الاصطناعي مشبعة بالتحيّز، فإن النتائج ستكون كذلك. مثلًا، إذا كانت بيانات الجرائم تُظهر تحيزًا عنصريًا تاريخيًا، فإن النظام قد يوصي بمعاملة قاسية لمتهمين من أقليات معينة.

ب. غياب الشفافية:

تُعرف خوارزميات الذكاء الاصطناعي بأنها "صندوق أسود" (Black Box)، أي أنه من الصعب تتبّع كيفية اتخاذ القرار. كيف يمكن للمدعى عليه أن يطعن في قرار اتخذته آلة لا نفهم منطقها؟

ج. مسؤولية الخطأ:

إذا اتخذ الذكاء الاصطناعي قرارًا خاطئًا أدى إلى حُكم جائر أو خسارة مالية، فمن المسؤول؟ هل هو المطوّر؟ الشركة؟ المستخدم؟ القانون الحالي لا يوفّر إجابات واضحة.

الذكاء الاصطناعي وصياغة التشريعات: هل سنشهد مَشرَعًا ذكيًا

يُطرح اليوم جدل كبير حول إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في صياغة القوانين أو حتى إصدارها. من الناحية التقنية، يمكن تدريب نظام على ملايين الأحكام السابقة والمواد القانونية لصياغة قانون جديد يتماشى مع السوابق.

لكن من الناحية الفلسفية، القانون ليس مجرد حسابات رياضية، بل هو نتاج لثقافة المجتمع، وتاريخه، وقيمه، وموازين القوى فيه. فهل يمكن لآلة أن تُراعي العدالة الاجتماعية؟ وهل تستطيع أن تتنبأ بتأثير القانون على فئات مختلفة من المجتمع؟



🔒 يتم تجهيز الرابط، الرجاء الانتظار

سيظهر الرابط خلال ثوانٍ قليلة لتقليل معدل الارتداد.


4. هل يحمي القانون الإنسان من الذكاء الاصطناعي؟

يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى ضوابط قانونية واضحة. في هذا الصدد، بدأت العديد من الدول والمُنظمات الدولية في سنّ قوانين وأطر تنظيمية للذكاء الاصطناعي:

  • الاتحاد الأوروبي يعمل على قانون شامل للذكاء الاصطناعي يفرض معايير صارمة على الشركات التي تطور أو تستخدم هذه التكنولوجيا.

  • اليونسكو أصدرت "إعلان المبادئ الأخلاقية للذكاء الاصطناعي" الذي يضع حقوق الإنسان في صُلب أي تطوير تقني.

  • الجزائر من جهتها تعمل على إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية، وتطوير قوانين لحوكمتها، ولكن بشكل تدريجي.

 القانون كمستخدم ومُنظِّم للتكنولوجيا

يلعب القانون دورًا مزدوجًا في هذا السياق:

أ. كمستخدم:

المحاكم، مراكز الشرطة، مكاتب المحاماة، وحتى الهيئات الحكومية بدأت تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة، تقليل التكاليف، وتسريع الإجراءات القانونية.

ب. كمُنظِّم:

وفي الوقت نفسه، على القانون أن يفرض ضوابط أخلاقية وتشريعية على هذه التكنولوجيا. لا يمكن السماح بتطبيقات الذكاء الاصطناعي دون مساءلة أو دون احترام حقوق الإنسان.

 هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل القاضي؟

في بعض الدول، تم بالفعل استخدام الذكاء الاصطناعي لإصدار أحكام بسيطة في قضايا المرور أو الديون الصغيرة. لكن استبدال القاضي بشكل كامل يثير قضايا جوهرية:

  • هل يمكن لآلة أن تُقدّر ظروف المتهم؟ مشاعره؟ ندمه؟

  • من أين تستمد الآلة سلطتها؟ من القانون؟ من الشعب؟ من الشركة المطوّرة؟

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُساعد، ولكن لا يمكن أن يُحِل محل العنصر الإنساني بالكامل، خاصة في مسائل تتعلق بالأخلاق، التعاطف، والعدالة الاجتماعية.